الفصل الثاني: الشعر الجاهلي
قيمة الشعر الجاهلي: 1- القيمة الفنية: وتشمل المعاني والاخيلة والعاطفة والموسيقى الشعرية ، حيث نظم الشاعر الجاهلي اكثر شعره على اوزان طويلة التفاعيل .
2- القيمة التاريخية: كان الشعر وسيلة نقل معاناة الناس وشكواها الى السلطة ، فالشعر الجاهلي يعتبر وثيقة تاريخية بما يخص احوال الجزيرة واحوال العرب الاجتماعية .
الوزن و القافية: الوزن: هو التفعيلات الشعرية الموسيقية الرتيبة التي تتكون منها الابيات ، وتسمى البحور الشعرية .
القافية: وهي ما ياتي به الشاعر في نهاية كل بيت من ابيات القصيدة ، وابرزها الحرف الاخير الذي يختم به البيت وضبطه النطقي .
انواع الشعر: 1- الشعر العمودي والشعر التقليدي: لقد احتفظ بخاصيته التقليدية بالالتزام بنظام الاوزان والقافية .
2- الشعر المرسل: احتفظ بنظام الاوزان في الشعر وتحرر من نظام القافية الموحدة .
3- الشعر الحر: وهو الشعر الذي تحرر من نظام الاوزان والقوافي معا .
طبقات الشعراء: 1- الشعراء الجاهليون: وهم الذين لم يدركوا الاسلام كامرئ القيس .
2- الشعراء المخضرمون: وهم ادركوا الجاهلية والاسلام كلبيد وحسان .
3- الشعراء الاسلاميون: وهم الذين عاشوا في صدر الاسلام وعهد بني امية .
4- الشعراء المولدون او المحدثون: وهم من جاءوا بعد ذاك كبشار بن برد وابي نؤاس (1) .
خصائص الشعر الجاهلي: 1- الصدق: كان الشاعر يعبر عما يشعر به حقيقة مما يختلج في نفسه بالرغم من انه كان فيه المبالغة ، مثل قول عمرو بن كلثوم .
2- البساطة: ان الحياة الفطرية والبدوية تجعل الشخصية الانسانية بسيطة ، كذلك كان اثر ذلك على الشعر الجاهلي .
3- القول الجامع: كان البيت الواحد من الشعر يجمع معاني تامة ، فمثلا قالوا في امرئ القيس بقصيدته «قفا نبك» انه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد .
4- الاطالة: كان يحمد الشاعر الجاهلي ان يكون طويل النفس ، اي يطيل القصائد واحيانا كان يخرج عن الموضوع الاساسي ، وهذا يسمى الاستطراد .
5- الخيال: هو ان اتساع افق الصحراء قد يؤدي الى اتساع خيال الشاعر الجاهلي .
شكل القصيدة الجاهلية:
تبدا القصيدة الجاهلية بذكر الاطلال ثم وصف الخمر وبعدها ذكر الحبيبة ، ثم ينتقل الشاعر الى الحماسة والفخر . . .
اغراض الشعر الجاهلي: 1- الوصف: وصف الشاعر كل ما حواليه ، وقد شمل الحيوان والنبات والجماد .
2- المدح: لقد كان المديح للشكر والاعجاب والتكسب .
3- الرثاء: مدح الميت ، كان يعرف بالرثاء ، فقد كثر رثاء ابطال القبيلة المقتولين .
4- الهجاء: كثر هذا النوع بسبب كثرة الغارات وانتشار الغزو فذكروا عيوب الخصم .
5- الفخر: وهو المباهاة حيث كان الشاعر يفتخر بقومه وبنفسه وشرف النسب وكذا بالشجاعة والكرم .
6- الغزل: امتلات حياة الشاعر بذكر المراة ، وهو نوعان: الغزل العفيف والماجن .
7- الخمر: لقد شربها بعض الشعراء المترفين ووصفوها مفتخرين .
8- الزهد والحكمة: ذكر الشاعر الزهد والحكمة في قصائده الشعرية .
9- الوقوف والتباكي على الاطلال: لقد اطال بعض الشعراء الوقوف والبكاء في شعرهم .
10- شعراء الاساطير والخرافات: الاساطير المختلفة والروايات المتناقضة كانت تاتي من شرق وغرب العالم العربي .
ظهور الشعر الجاهلي: و يشمل:
1- شعراء الفرسان .
2- شعراء الصعاليك .
3- شعراء آخرون .
1- شعراء الفرسان: نحن نعلم بان شاعر القبيلة هو لسانها الناطق وعقلها المفكر والمشير بالحق والناهي الى المنكر ، فكيف اذا جمع له الشعر والفروسية فهو صورة صادقة لتلك الحياة البدوية ، حيث كان يتدرب على ركوب الخيل ، ويشهر سيفه ، ويلوح برمحه ، فمن هؤلاء الشعراء:
- المهلهل .
- عبد يغوث .
- حاتم الطائي .
- الفند الزماني (فارس ربيعة) .
المهلهل هو عدي بن ربيعة التغلبي ، خال امرؤ القيس ، وجد عمرو بن كلثوم . قيل انه من اقدم الشعراء الذين وصلت الينا اخبارهم واشعارهم ، وانه اول من هلهل الشعر ولذلك قيل له المهلهل .
كان له اخ اسمه كليب رئيس جيش بكر وتغلب . كليب قتل ناقة البسوس ثم قتل كليب ، ونشبتحرب البسوس بين بكر وتغلب ، دامت اربعين سنة .
المختار من شعره: واكثر شعر المهلهل هو في رثاء اخيه كليب ، حيثيقول:
كليب لا خير في الدنيا و من فيها
ان انتخليتها في من يخليها
نعى النعاة كليبا لي فقلت لهم
سالتبنا الارض او زالت رواسيها
ليت السماء على من تحتها وقعت
وحالت الارض فانجابتبمن فيها (2)
ومن مراثيه المشهورة في اخيه:
اهاج قذاء عيني الادكار
هدوءا فالدموع لها انحدار
و صار الليل مشتملا علينا
كان الليل ليس له نهار
دعوتك يا كليب فلم تجبني
و كيف يجيبني البلد القفار
وانك كنت تحلم عن رجال
وتعفو عنهم ولك اقتدار (3)
توفي المهلهل عام 92 ق . ه / 530م .
الفند الزماني اسمه شهل بن شيبان ، احد فرسان ربيعة المشهورين ، شعره قليل ، سهل ، عذب ، واكثره في الحماسة التي يتخللها شيء من الحكمة ، وحينما اضطر الى الخوض في حرب البسوس ، قال:
صفحنا عن بني ذهل
وقلنا القوم اخوان
عسى الايام ان يرجعن
اقواما كما كانوا
فلما صرح الشر
وامسى وهو عريان
ولم يبق سوى العدوان
دنا لهم كما دانوا
وفي الشر نجاة حين
لا ينجيك احسان (4)
توفي الفندالزماني سنة 92ق . ه .
2- شعراء الصعاليك: جمع صعلوك ، وهو - لغة - الفقير الذي لا مال له . اما الصعاليك في عرف التاريخ الادبي فهم جماعة من شواذ العرب وذؤبانها ، كانوا يغيرون على البدو والحضر ، فيسرعون في النهب; لذلك يتردد في شعرهم صيحات الجزع والفقر والثورة ، ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدو ، وحين نرجع الى اخبار الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن الفقر ، فكل الصعاليك فقراء لا نستثني منهم احدا حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذين كانوا يلجئون اليه كلما قست عليهم الحياة ليجدوا ماوى حتى يستغنوا ، فالرواة يذكرون انه كان صعلوكا فقيرا مثلهم (5) ، ومن هؤلاء:
- الشنفري الازدي .
- تابط شرا .
- عروة بن الورد .
تابط شرا اسمه ثابتبن جابر . وسبب لقبه انه اخذ ذات يوم سيفا تحت ابطه وخرج ، وكان تابط شرا من الصعاليك حاد البصر والسمع يلحق بالخيل ، ويغزو على رجليه ، وانه مات قتيلا .
واكثر شعره في الحماسة والفخر ، ومن شعره في الفخر:
يا عبد ما لك من شوق وايراق (6)
ومر طيف على الاهوال طراق (7)
لا شيء اسرع مني ليس ذا عذر (
وذا جناح (9) بجنبالريد (10) خفاق (11)
توفي الشاعر تابط شرا عام 530 للميلاد .
عروة بن الورد
عروة بن الورد من بني عبس ، وكان من فرسان العرب ، كان كريم الاخلاق عفيفا صادقا وفيا بالعهود ، وقد فضله بعضهم على حاتم في الكرم .
واكثر شعره في الفخر والحماسة والنسيب . قال في الحث على الاغتراب في طلب الغنى:
ذريني للغنى اسعى فاني
رايت الناس شرهم الفقير
وابعدهم واهونهم عليهم
وان امسى له حسب وخير (12)
توفي ابن الورد سنة 596 للميلاد .
3- شعراء آخرون: وهناك افراد من الشعراء في يثرب وغيرها من مدن الحجاز والجزيرة العربية اعتنقوا اليهودية كالسموال بن عاديا ، او النصرانية كقس بن ساعدة .
السموال هو السموال بن عاديا صاحب الحصن المعروف ، والعرب كانوا ينزلون عند السموال ضيوفا لان السموال عالي اللهجة وسريع النجدة . وسبب ضرب المثل عند العرب في قولهم «اوفى من السموال» يعود الى امرئ القيس التجا الى السموال فاودعه درعه واسلحته وابنته وذهب الى القسطنطينية ليستنجد بقيصر الروم ويساله النصر على قتلة ابيه ، وفي هذه الاثناء اسر ابن السموال الذي كان في الصيد من قبل المنذر ، فطلب المنذر من السموال ان يسلم الدرع والسلاح وابنة امرؤ القيس والا يضرب عنق ابن السموال ، فابى السموال ذلك فنفذ المنذر وعيده (13) . ومن يطلع على سيرة السموال يحس شرفا واباء بالاضافة الى اندفاعه الى المجد والفخر ، وله قصيدة لامية مشهورة ، يدعو الى الاخذ بالمتعة والحياة دون التفكير فيها ولا في آلامها ، ومما جاء فيها قوله:
اذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
تعيرنا انا قليل عديدنا
فقلت لها ان الكرام قليل
وما ضرنا انا قليل وجارنا
عزيز وجار الاكثرين ذليل
وننكر ان شئنا على الناس قولهم
ولا ينكرون القول حين نقول
اذا سيد منا خلا قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعول
وما اخمدت نار لنا دون طارق
ولا ذمنا في النازلين نزيل
سلي ان جهلت الناس عنا وعنهم
وليس سواء عالم وجهول (14)
توفي ابن عاديا سنة 560ه . ق .
قس بن ساعدة الايادي
هو اسقف نجران ، وكان خطيبها البارع وحكيمها ، ويتصف بالزهد في الدنيا ، وكان يحضر سوق عكاظ ويلقي الشعر .
يروى ان النبي صلى الله عليه وآله راى قس في سوق عكاظ على جمل احمر وهو يقول (15) :
«ايها الناس ، اسمعوا وعوا انه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت . . . آيات محكمات: مطر ونبات وآباء وامهات ، وذاهب وآت ، ضوء وظلام ، وبر وآثام ، لباس ومركب ، ومطعم ومشرب ، ونجوم تمور (16) ، وبحور لا تغور (17) ، وسقف مرفوع ، وليل داج (18) ، وسماء ذاتابراج (19) ، ما لي ارى الناس يموتون ولا يرجعون . . . يا معشر اياد اين ثمود وعاد ؟ واين الآباء والاجداد ؟
ومن نوادر شعره:
وفي الذاهبين الاولين
من القرن لنا بصائر
لما رايت مواردا
للموت ليس لها مصادر
ورايت قومي نحوها
يمضي الاصاغر والاكابر
لا يرجع الماضي ولا
يبقى من الباقين غابر (20)
ايقنت اني لا محالة
حيث صار القوم صائر (21)
توفي ابن ساعدة سنة 600 للميلاد .