تبين هذه الصورة الآلية التي يؤثر بها الشيطان على الانسان و هي كالآتي: عندما يفكر الإنسان بأمر معين فأنة يسمع في عقلة صوت مطابق للصوت الذي يتكلم به و هذا طبيعي و هو صوت نفس الإنسان. و من المعروف في الشريعة الإسلامية أن لكل إنسان قرين شيطان يوسوس له. ولكن كيف يوسوس هذا القرين للإنسان؟ يقوم هذا الشيطان بمطابقة صوته مع صوت نفس الإنسان من حيث السرعة, النبرة, و حتى اللغات التي يعرفها الإنسان و يتكلم بها هذا القرين و يوسوس للإنسان بها. فيسمع الإنسان صوت في عقلة مطابق لصوت نفسه و يعتقد الإنسان أن نفسه تحدثه بهذه الأمور والأفكار. و لكن الأفكار التي يحتويها هذا الصوت هي أفكار سوء (أن يؤذي الإنسان نفسه أو غيره), فحشاء (أفكار الزنا و ما شابه), و القول على الله بما لا يعلم الإنسان. ويخدع الشيطان الإنسان بجعله يعتقد أن هذه الأفكار هي من نفس الإنسان و أنها حقيقة.
هناك دراسة أجريت في بريطانيا قام بها د. أندرو لويس و هو من أشهر علماء النفس حيث قام بسؤال ما يعتقد الناس بأنهم مرضى نفسيون عن الأفكار التي تحتويها الأصوات التي يسمعونها. تبيّن الصورة على اليسار نتائج الدراسة التي أجريت على المرضى النفسيين و تبين الصورة أيضا التطابق الكامل بين الأفكار التي تحتويها الوساوس القهرية المرضية و الأفكار التي يوسوس بها الشيطان للإنسان كما يعلمُنا بها الحق سبحانه و تعالى.
وهذه الدراسة هي عبارة عن إثبات علمي لتأثير الشيطان على الإنسان بالوسوسة و التخفّي. وأن ما يعتقد الناس بأنه مرض نفسي هو في الواقع عبارة عن وساوس و تأثير الشيطان على الإنسان و لكن لبعد معظم الناس عن الله عز و جل و عن كتاب الله فإن هذه الحقيقة لا يعلمها معظم الناس. لقد أدّى بُعد الناس عن كتاب الله عز و جل إلى زيادة تأثير الشيطان على الإنسان و من الألم التي تسببه هذه الوساوس للإنسان و هذا من عمل الناس كما يصف ذلك الحق جل جلاله في سورة يونس أن الناس يظلمون أنفسهم و من أكبر مظاهر ظلم الإنسان لنفسه بعده عن كتاب الله عز و جل و ترك ما يعلّمه إياه الله و الجري وراء العلم الناقص الذي مصدره تكهّنات و فرضيات لا أساس لها من الصحة.
تعوّذ الرسول صلّى الله عليه و سلّم من الشيطان الرجيم بقوله: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه و نفخه و نفثه. النفث هو عبارة عن إخراج هواء بلا لعاب فإذن من قول الرسول صلّى الله عليه و سلّم يمكن أن نستنتج أن الشيطان ينفث (أي يخرج هواء بلا لعاب) للإنسان ولكن السؤال هو لماذا يعمل الشيطان هذا العمل؟
. فإذا ما درسنا جسم الإنسان و بالأخص الدماغ البشري نجد أنه يتألف من عقد عصبية حيث أن كل عقدة في الدماغ كما هو موضّح في الصورة تكون مسؤولة عن وظيفة معينة. فعلى سبيل المثال هناك عقدة مسؤولة عن البصر و السمع وغيرها من الحواس. وهناك عقدة مسؤولة عن الشعور بالفرح, الحزن و غيرها من العواطف. هذه العقد توّلد شعور بالفرح عن طريق إفراز مواد كيميائية عند تحفيزها وهذه المواد الكيميائية تعمل على إرخاء العضلات و بذلك يشعر الإنسان بالراحة.
وعليه فإن قرين الإنسان (الشيطان) ينفث في هذه العقد ليولّد شعورا مطابقا لما يجب أن يشعر به الإنسان عندما تأتيه الفكرة المحتواة في وسواس الشيطان. فعلى سبيل المثال إذا تضّمن الوسواس فكرة فيها فحشاء فإن الشيطان ينفث في العقدة العصبية التي تولّد ارتخاء في العضلات و شعور بالفرح ليوهم ذلك الإنسان أن هذه الفكرة صحيحة و أنه يجب عليه أن يطبقها لما فيها من راحة و سعادة له. وإذا وسوس الشيطان للإنسان بفكره فيها قلق و تعب له فإنه ينفث في العقدة العصبية التي تولّد الشعور بالحزن و انقباض الصدر ويظن الإنسان أن الفكرة التي جاءته هي حقيقة و أنها سوف تحدث مما يؤدي بالإنسان إلى الاستفزاز الجسدي و الألم النفسي.
من تأليف زيد قاسم غزاوي
-------------------