السلف والسلفية : لغة واصطلاحا وزمانا
بقلم الكاتب : الشيخ سليم بن عيد الهلالي
السلف لغة :
قال ابن فارس في" معجم مقاييس اللغة:" (سلف، السين واللام والفاء أصل يدل
على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون.
وقال الراغب الأصفهاني في "المفردات ": ( السلف: المتقدم، قال الله تعالى: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ [الزخرف:56] ؛ أي : معتبرا متقدما ... ولفلان سلف كريم:أي آباء متقدمون، جمعه: أسلاف وسلوف ).
وقال ابن منظور في " لسان العرب " : ( والسلف -ايضا- من تقدمك من آبائك
وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السبق والفضل ، ولهذا سمي الصدر الأول من
التابعين: السلف الصالح )
قلت: ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة: " فإنه نعم السلف أنا لك" أخرجه مسلم.
وروى عنه صلى الله عليه وسلم قوله لابنته رقية عندما توفيت : " إلحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون" .
السلف اصطلاحا:
هم الصحابة ابتداء ويشاركهم التابعون وتابعوهم من الأئمة تبعا واتباعا ؛ كما في قوله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ) [التوبة:100]وقد تناقل أهل العلم في القرون المفضلة هذا المصطلح للدلالة على منهج الصحابة ومن تبعهم باحسان.
قال البخاري قال راشد بن سعد:" كان السلف يستحبون الفحولة ؛ لانها أجرى وأجسر "
وعلق الحافظ بن حجر في "فتح الباري" (6/66) قائلا: " أي الصحابة ومن بعدهم" ثم تقرر هذا المصطلح عند جميع العلماء حتى أهل الكلام .
قال الغزالي في "إلجام العوام عن علم الكلام" (ص62) معرفا كلمة السلف :" أعني: مذهب الصحابة والتابعين ".
ولذلك فكلمة السلف اكتسبت هذا المعنى الإصطلاحي والذي لا يتجاوزه الى غيره .
السلف زمانا :
أما من حيث الزمان فهي تشمل خير القرون وأولاها بالاقتداء والاتباع ، وهي القرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالخيرية على لسان خير البرية صلى الله عليه وسلم:" خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" حديث متواتر .
وبمجموع ذلك يظهر أن مصطلح السلف يطلق على من حافظ على سلامة العقيدة
والمنهج على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل
الإختلاف والإفتراق.
وأما السلفية فهي:
انتساب الى السلف وهي نسبةمحمودة الى منهج معصوم وجيل مرحوم وهو مذهب أثري
سديد وليس ابتداع مذهب جديد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في
مجموع الفتاوى" (4/149): " لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لايكون إلا حقاً."
ولذلك فإن المنهج السلفي هو لزوم الطريقة التي كان عليها الصحابة من
التمسك بالكتاب والسنة علما وعملا، وفهما وتطبيقا، وهذا المنهج باقٍ إلى
يوم القيامة، يصح الانتساب إليه، أما من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضي،
مثل: الخوارج، والروافض، والمعتزلة، والمرجئة، والجبرية، وسائر الفرق
الضالة، فهو خارج من السلفية، بل خارج عليها.
من خلال ما تقدم من تعريف للدعوة السلفية، ندرك أهمية المقاصد التي ترمي
إليها، فهي تدعو إلى الإسلام الصافي النقي من أدران الشرك والخرافات
والبدع والمنكرات، وتعزز في شخصية المسلم مفهوم الولاء والبراء ونبذ
التعصب للأشخاص والأسماء وللافتات
قال شيخنا الألباني - رحمه الله - : إذا عرفنا معنى السلف والسلفية حينئذٍ أقول أمرين اثنين :
الأمر الأول : أن هذه النسبة ليست نسبة إلى شخص أو أشخاص ،
كما هي نِسَب جماعات أخرى موجودة اليوم على الأرض الإسلامية ، هذه ليست
نسبة إلى شخص ولا إلى عشرات الأشخاص ، بل هذه النسبة هي نسبةٌ إلى العصمة
، ذلك لأن السلف الصالح يستحيل أن يجمعوا على ضلالة ، وبخلاف ذلك الخلف ،
فالخلف لم يأتِ في الشرع ثناء عليهم بل جاء الذم في جماهيرهم ، وذلك في
تمام الحديث السابق حيث قال عليه السلام : ( ثم يأتي من بعدهم أقوامٌ يَشهدون ولا يُستشهدون ،
) إلى آخر الحديث ، كما أشار عليه السلام إلى ذلك في حديث آخر فيه مدحٌ
لطائفةٍ من المسلمين وذمٌّ لجماهيرهم بمفهوم الحديث حيث قال عليه السلام :
( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) أو ( حتى تقوم الساعة ) ، فهذا الحديث خص المدح في آخر الزمن بطائفة ، والطائفة : هي الجماعة القليلة ، فإنها في اللغة : تطلق على الفرد فما فوق .
فإذن إذا عرفنا هذا المعنى في السلفية وأنها تنتمي إلى جماعة السلف الصالح
وأنهم العصمة فيما إذا تمسك المسلم بما كان عليه هؤلاء السلف الصالح
حينئذٍ يأتي الأمر الثاني الذي أشرتُ إليه آنفاً ألا وهو أن كل مسلم يعرف
حينذاك هذه النسبة وإلى ماذا ترمي من العصمة فيستحيل عليه بعد هذا العلم
والبيان أن - لا أقول : أن - يتبرأ ، هذا أمرٌ بدهي ، لكني أقول : يستحيل
عليه إلا أن يكون سلفياً ، لأننا فهمنا أن الانتساب إلى السلفية ، يعني :
الانتساب إلى العصمة ، من أين أخذنا هذه العصمة ؟ نحن نأخذها من حديث
يستدل به بعض الخلف على خلاف الحق يستدلون به على الاحتجاج بالأخذ
بالأكثرية - بما عليه جماهير الخلف - حينما يأتون بقوله عليه السلام : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ، ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لا يصح تطبيق هذا الحديث على الخلف اليوم على ما بينهم من خلافات جذرية ، ( لا تجتمع أمتي على ضلالة )
لا يمكن تطبيقها على واقع المسلمين اليوم وهذا أمرٌ يعرفه كل دارس لهذا
الواقع السيء ، يُضاف إلى ذلك الأحاديث الصحيحة التي جاءت مبينةً لما وقع
فيمن قبلنا من اليهود والنصارى وفيما سيقع في المسلمين بعد الرسول عليه
السلام من التفرق ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي الجماعة ) هذه الجماعة : هي جماعة الرسول عليه السلام هي التي يمكن القطع بتطبيق الحديث السابق : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة )
أن المقصود بهذا الحديث هم الصحابة الذين حكم الرسول عليه السلام بأنهم هي
الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم ونحا نحوهم ، وهؤلاء السلف الصالح هم الذين
حذرنا ربنا عز وجل في القرآن الكريم من مخالفتهم ومن سلوك سبيل غير سبيلهم
في قوله عز وجل : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا )
أنا لَفَتّ نظر إخواننا في كثيرٍٍ من المناسبات إلى حكمة عطف ربنا عز وجل
قوله في هذه الآية ويتبع غير سبيل المؤمنين على مشاققة الرسول ، ما الحكمة
من ذلك ؟ مع أن الآية لو كانت بحذف هذه الجملة ، لو كانت كما يأتي : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا )
لكانت كافية في التحذير وتأنيب من يشاقق الرسول صلى الله عليه وسلم ،
والحكم عليه بمصيره السيئ ، لم تكن الآية هكذا ، وإنما أضافت إلى ذلك قوله
عز وجل : ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) هل هذا عبث ؟! - حاشا لكلام الله عز وجل من العبث ـ إذن ما الغاية..؟
ما الحكمة من عطف هذه الجملة (ويتبع غير سبيل المؤمنين)
على مشاققة الرسول..؟ الحكمة في كلام الإمام الشافعي، حيث استدل بهذه
الآية على الإجماع، أي : من سلك غير سبيل الصحابة الذين هم العصمة - في
تعبيرنا السابق - وهم الجماعة التي شهد لها الرسول عليه السلام أنها
الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم ، هؤلاء هم الذين لا يجوز لمن كان يريد أن
ينجو من عذاب الله يوم القيامة أن يخالف سبيلهم ، ولذلك قال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا ).
إذن على المسلمين اليوم في آخر الزمان أن يعرفوا أمرين اثنين :
أولاً : من هم المسلمون المذكورين في هذه الآية ثم ما الحكمة في أن الله
عز وجل أراد بها الصحابة الذين هم السلف الصالح ومن سار سبيلهم ..؟ قد سبق
بيان جواب هذا السؤال أو هذه الحكمة وخلاصة ذلك أن الصحابة كانوا قريب عهد
بتلقي الوحي غضا طريا من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولاً ثم
شاهدوا نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم الذي عاش بين ظهرانيهم يطبق الأحكام
المنصوصة عليها في القرآن والتي جاء ذكر كثير منها في أقواله عليه الصلاة
والسلام بينما الخلف لم يكن لهم هذا الفضل من سماع القرآن وأحاديث الرسول
عليه السلام منه مباشرةً ثم لم يكن لهم فضل الاطلاع على تطبيق الرسول عليه
السلام لنصوص الكتاب والسنة تطبيقاً عملياً ، ومن الحكمة التي جاء النص
عليها في السنة : قوله عليه السلام : ( ليس الخبر كالمعاينة ، ) ومنه بدأ
ومنه أخذ الشاعر قوله : ( وما راءٍ كمن سمع ) فإذن الذين لم يشهدوا الرسول
عليه السلام ليسوا كأصحابه الذين شاهدوا وسمعوا منه الكلام مباشرة ورأوه
منه تطبيقاً عمليا ، اليوم توجد كلمة عصرية نبغ بها بعض الدعاة الإسلاميين
وهي كلمة جميلة جداً ، ولكن أجمل منها أن نجعل منها حقيقةً واقعة ، يقولون
في محاضراتهم وفي مواعظهم وإرشاداتهم أنه يجب أن نجعل الإسلام يمشي واقعاً
يمشي على الأرض ، كلام جميل ، لكن إذا لم نفهم الإسلام وعلى ضوء فهم السلف
الصالح كما نقول لا يمكننا أن نحقق هذا الكلام الشاعري الجميل أن نجعل
الإسلام حقيقة واقعية تمشي على الأرض ، الذين استطاعوا ذلك هم أصحاب
الرسول عليه السلام
للسببين المذكورين آنفاً ، سمعوا الكلام منه مباشرةً ، فَوَعَوْهُ خير من
وَعِيَ ،ثم في أمور هناك تحتاج إلى بيان فعلي ، فرأوا الرسول عليه السلام
يبين لهم ذلك فعلاً ، وأنا أضرب لكم مثلاً واضحاً جداً ،هناك آيات في
القرآن الكريم ، لا يمكن للمسلم أن يفهمها إلا إذا كان عارفاً للسنة التي
تبين القرآن الكريم ، كما قال عز وجل : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم ) مثلاً قوله تعالى : (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
الآن هاتوا سيبويه هذا الزمان في اللغة العربية فليفسر لنا هذه الآية
الكريمة (والسارق) ،من هو ؟ لغةً لا يستطيع أن يحدد السارق ، واليد ما هي
؟ لا يستطيع سيبويه آخر الزمان لا يستطيع أن يعطي الجواب عن هذين السؤالين
، من هو السارق الذي يستطيع أو الذي يستحق قطع اليد ؟ وما هي اليد التي
ينبغي أن تُقطع بالنسبة لهذا السارق ؟ اللغة : السارق لو سرق بيضة فهو
سارق ، واليد في هذه لو قُطِعَتْ هنا أو هنا أو في أي مكان فهي يدٌ ، لكن
الجواب هو : - حين نتذكر الآية السابقة : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم )
الجواب في البيان ، فهناك بيان من الرسول عليه السلام للقرآن ، هذا البيان
طَبَّقَهُ عليه السلام فعلاً في خصوص هذه الآية كمثل وفي خصوص الآيات
الأخرى ، وما أكثرها ، لأن من قرأ في علم الأصول يقرأ في علم الأصول أنه
هناك عام وخاص ومطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ ، كلمات مجملة يدخل تحتها عشرات
النصوص ، إن لم يكن مئات النصوص ، نصوص عامة أوردتها السنة "