يا عسكري افهم انا من ذوات الشِمال
أقلام - « عمار الحيدري » - 29 / 10 / 2011م - 12:03 ص
حينما تُمسك كتاب الله بيدك الشِمال لا إشكال في ذلك، وحينما تفتح كتاب الله بيدك الشمال لا إشكال في ذلك، وحينما تكتب كتاب الله بيدك الشمال لا إشكال في ذلك أيضاً، فكل ذلك جائز مباح ولا يُعاقبك عليه القانون ولكن حذارِ أن تُناول رجل امن سعودي بطاقتك الشخصية التي طلبها منك في نقطة تفتيش بيدك الشمال حينها فقط ستقوم القيامة ويدخلك الله نار جهنم وتكون فيها من المخلدين.
ذات مساء وأنا متجه إلى منزلي الكائن بالعوامية عائد من المستشفى مع زوجتي مررت بإحدى نقاط التفتيش الأمنية (كما تُسمى) للأمن السعودي تحديداً في نقطة الناصرة عند اقترابي من هذه النقطة كان يقف فيها رجل امن من ذوات البشرة السمراء متجهم الوجه بالكاد ترى أسنانه، أشار عليّ بيده قف مكانك، وطلب مني بطاقتي الشخصية وعلى الفور سحبتها من محفظتي وناولتها أياه، سألني بعد ان أخذها مني وغبار الحقد والكراهية يخرج من بين شفتيه لماذا لا تناولني أثباتك بيدك اليمين؟.
فأجبته سريعاً لأنني ممن يستخدم يده الشمال الله خلقني كذلك بما ان الاجابة كانت على طرف لساني فهذه ليست المرة الاولى التي تحدث لي معهم هكذا قضية، أعاد عليّ السؤال مرة أخرى وكأنه لم يسمع الجواب فأجبته بما أجبته سابقا اذ لم أجد غير الجواب الذي أجبته إياه سابقاً، فأمرني بالركون جانباً وعلى الفور ركنت سيارتي جانباً ولم انزل منها.
ما هي إلا لحظات وإذا بي اسمع صوت خانق من خلف السيارة لا اعلم في أي القواميس أجد له ترجمة، صوت يدل على همجية الحديث والمنطق لم نسمعه إلا في المسلسلات البدوية على لسان رعاة الإبل والماعز -أنت يا إيه تعال- فترجلت من السيارة متوجه إليه وإذا به شاب لا اعتقد أن عمره وصل للثلاثين عام وأنا رجل عمري بدء يقفز على الأربعين، تبسمت في داخلي لان هذه اللهجة البدائية هو لهجة من يدعي التحضر ذو الجذوره المتخلفة اذ مازال عبق البداوة يسري في عروقه وغبار الصحراء قد ملأ صدره، هي الجينات الوراثية لا أكثر ولا اقل تنتقل من جيل الى آخر دون تحسين، بل على العكس تزداد سوءً أكثر من ذي قبل، أضف إلى ذلك الحقد والكراهية، ولا يمكن ان نستثني الطائفية فنحن في مسقط رأسها وولاة الأمر هم من يغرسها فيه كما تغرس اللبؤة في شبلها فن القتال لحاجة في نفس يعقوب، لذلك لا يمكن لهذا الشاب (رجل الامن) التمييز حتى في فارق العمر بيني وبينه فيُخاطبني باحترام على اقل تقدير.
حينما تجد شاباً يجلس على كرسي للمعاقين او يتكئ على عكاز لابد ان تدرك تماماً ان جلوسه على الكرسي او اتكاءه على العكاز لسبب وليس عبطاً، وحينما ترى شخصاً يناولك بطاقته الشخصية بيده اليسار لابد ان تستوعب انه قد يكون هنالك سبب اجبره على فعل ذلك.
رغم اننا مجتمع دولة نعيش في وسط عالم يسير وفق تكنلوجية متطورة، دولة صُنِفت على انها دولة من الدول الغنية، دولة مجتمعها مُنفتح على العالم الآخر، مجتمع يلف العالم كله خلال دقائق برموت كنترول مجتمع يرى ويتخاطب مع العالم الآخر وهو يجلس في بيته وفي مكان نومه وحتى في دورة المياه، مجتمع تصله احدث التقنيات الالكترونية.
المجتمعات الأخرى صعدت القمر وأجرت دراسات تلوى الدراسات عليه، وبدأت تسعى جاهدةً للبحث عن طريقة تمكنها من الوصول الى ابعد من ذلك، تسعى للوصول للمريخ لدراسة هذا الكوكب البعيد والأمن السعودي مازال يدور حول نفسه، اذ ما زالت لديه قضية عالقة في ملفاته المتراكمة منذُ القدم وهي بأي يد لابد ان تُسلم رجل الأمن بطاقتك الشخصية، يخلق منها قضية كبيرة ان ناولته شيء بيدك الشمال حتى وان كان من دون قصد وسيدخلك الله النار بسبب هذا الفعل في تقديره.
تخلف ما بعده تخلف، دولة تبحث عن التقدم والحضارة وهي لا تريد ان تُبدل ثوب البداوة، فكيف يمكنها ان تتطور وتساير التقدم العلمي والتكنلوجي والحضارة العالمية، وعلى اقل تقدير رجل الامن فيها مازال همجي متخلف ولا يملك حتى فن المخاطبة مع الآخرين وكيفية التعامل معهم، رجل امن لا يميز ما بين رخصة القيادة والبطاقة الشخصية، رجل امن كل هدفه في الحياة كيف يمكنه إذلال الآخرين، رجل امن طائفي عنصري قبلي وكل الصفات السيئة فيه.
فهنيئاً لهذه الدولة بهكذا رجال امن...